27‏/06‏/2025

وفاتي القادمة



غرابٌ أسود

لم يعد يبحث عن الأغصان في مدينتي

ويحط بلا جدال

على أسلاكِ العواميدِ

هو ما سيدلك على قبري


في مساءٍ نيلي كهذا

نقضيه 

وحيدَين تماماً

لم يخبرني أحد

أنه شتاءي الأخير

وأنه علي الإختيار

بين أغنية تامينو: مساءٍ نيلي

وبين صلاتي الأخيرة

لم يخبرني أحد

أن موتي القادم

في أيامٍ كهذه

حيث لا أجد أفشل من علاقتي بالله


شخص واحد يفصلك عن موتك

ايها الحزين

وهذا الشخص هو انا،

أمك التي دفعتك من بين ساقيها 

دفعت بذلك تذكرة حضورك هذه المسرحية

دفعتك بعيداً

بُعدٌ يُمكنك من رؤية فشلها

ويا للسخرية

حان وقت العودة للنبع

في بلدٍ قد جف الماء فيه


سأروي لك الأمر ببساطة

إنه اليوم الأخير لك -لي-

إنه اليوم الأول عند الإله

مازلتَ هنا منذ اليوم الأول من ولادتك

وستموت معي هنا

ميتة لا تُكتب على شاهد قبر


كل ما يحتاجه المرء كي يكون هنا

هو أن يعبر الرحم

أما أنت 

كان عليك أن تتفقد أثر النبع

وألا تجده في النهاية

ستكون هنا مجرد ضائع آخر عن رحم الأم

ناجٍ آخر حسب رأي الإله.

ببساطة

يومان فقط

سُجِلا في هويتك

واحدٌ لأمك

وواحدٌ للإله

وأنت هنا سيقتضي عليك ألا تبحث

سيقتلك التحديق

في جسدك على الكرسي المقابل

تسأل

هل للمُصابِ في قلبك أن يظهر؟

أن يسكب الدماء على الطاولة،

أن يُقنعك اللون بحق المعاناة؟

حين تحتاج لوناً ينزف أكثر من الأحمر

تكتب بِه موتك


داخل الغرفة 113

مساءٌ نيلي

وغرابٌ أسود

الوقت أسرع من العادة

تُشعِل لي سيجارة 

-تنهيدة-


فلنُراقب المارة

وهم يُغيّبون أحذيتهم عن عتبة بابي

نراقب الله يأخذهم بعيداً

نراقب النهاية

وهي تتناوح على جلد العجوز

تأخذ آخر شهيق 

ويعيش الهواء في رئتيها الى الأبد


لِنُعدّ ترتيب الخطى التي أهدرناها

علنا لا نتوه هذه المرة

خطوتك الأولى هنا

خطوتك الأخرى هناك

وهكذا ترقص على جرحي

وكأنك خيطٌ

خطوتي الأولى هنا

خطوتي الأخرى هناك

وهكذا أعبر آخر يومٍ لي

وكأني مقطوعة موسيقية

مرت بجانب أذنك.


يا صديقي الحزين،

لا بُد لهذا الكم الهائل من الوحدة

أن يبتلع شيئاً

كعتبة بابي

أو خمسين سنة من حياتي

هل سمعت عن وحدة الأبكم

الذي لم يُحدّث أحداً منذ ولادته؟

هذه وحدتي

حين لا أُحدّث أحداً عند وفاتي

كنت ولا زلت

في ضفةٍ أخرى من هذا العالم

شمسي تشرق من ورائي

وحلمي مازال 

يطل من النافذة

كنت ولا زلت

شخص له اسماً واحداً

قد لا يُناديه بهِ أحد

ولكن حين يجد المارة عتبة بابي

لن يجروني نحو موتي

هذه المرة سأسير

وكأني لستُ أسِير

في الشارع الذي أعبره وحيداً

الشارع الذي يصنع مني نصاً

لهذا

سيتذكرني هذا النص

سيتذكرني هذا المساء

سيتذكرني أول سطح تُشرق عليه الشمس

وأول غصن تهزه الريح

سيتذكرني المارة

عند عودة النبع لهذا البلد


سأغادر قبلك

كي تُطمئِن أُمي

- التي لا تعلم يوم ولادتي

ولا تعلم يوم وفاتي -

أن آخر شيءٍ فعلته في حياتي

هو تذكر الله.

25‏/01‏/2025

موت في المشفى

 

في المشفى، مستقرنا الخامد

حيث تلامس رؤوسنا السقوف الواطئة

وتأز بآذاننا مصابيحها الخافتة

نجلس

سكارى

مجانين

أو يقظيّن جداً

نكتب تهانينا،

إنه الضوء نهاية النفق

- ها قد بلغت الحد الأقصى من المعاناة

هنا سيخبرك الإله

بأنك لن تعاني أكثر من ذلك. -


إنها عجاجة

يسري الموت بين أقدامنا 

وعلى وجوهنا أنفاسٌ مكتظة

وهواءٌ ملوث 

برذاذ الدم واليرقان

لم نعد نعزي المفجوع او الثكلى

ولا أحد يبكي في الجنازة

المأساة صارت نهج حياة


إنها عجاجة

لا أحد يفكر بوضوح

ولا أحد يجد بداية هذا الأثير او نهايته


إنها عجاجة

وأنا اكتب نيابةً عن السكارى

المجانين

اليقظيّن جداً

عن المفجوعين والثكالى

وربما عن الميت ايضاً

فنحن جمعٌ هائل من الموهومين

لسنا سوى ضربة غوشاء أُخرى

في لوحة الفنان


أكتب عنهم

أنا اليقظ جداً

هذا السجن موصودٌ بأغلالي

وخناجري تشق سَكينتي

أجدني أسير المفروض

وعبدٌ مأمور

من يعطيني عرشاً هنا

سيمشي عليَّ في الممر

يتبعني ثقبٌ أسود

أرمي له جثة

ثم جثةً أخرى

ذات قصٍ مخسوف

وضلعٍ مفطور

ويظل هذا الثقب يلاحقني

مادمت لا أعطيه جثةً سالمة.


من صور ملامحي الصامتة؟

فمن شدة انطفاء جلدي

لا تراني المرايا ولا إنعكاس البحيرات

بعيدٌ كل البعد عن جسدي

بعيدٌ كل البعد عن كوني ..

صديقاً، إبناً، أخاً

نظرتي صخرة رُميت في بحيرة

لكني أسمعك

لحناً حزيناً يشبه ترنيمة الموت،

يا موت ..

او أكثر اسوداداً

آه كم وددت لو أن مصدر الصوت ليس أُذني

تعلم كم من الموجع

أن يكون مصدر الصوت هو أُذني


أشعر بأصابعك 

بلمسك يا موت

وكأنها خطوات تختفي شيئاً فشيئاً

تُراني هل اترقب حضورك؟

إذن لِمَ تجمع غيابهم فيك؟

كما لو أن الجميع يريدني

وأنت وحدك لا تفعل.


هي فوقي

حتى وإن كانت ساقاي

تتدليان من حافة الطابق السابع

إنها عجاجة

تأتي

لأتذكر الله

لأبحث عن قبةً سماوية

تجمع شتات صوتي

وهو يتضرع

أين أنا .. يا الله؟

من يعيد هذه الأرواح

التي تحوم حول رأسي

إلى نعشها؟

ومن يعيد لي اجزاءي؟

لم يستخدمون أصابعي للإشارة

وانا أمشي مشية المفقود؟!


إنها عجاجة،

خمسٌ وعشرون عاماً

يطلق علي العالم

وكأني زناد بندقية

خمسٌ وعشرون عاماً من المشي

ولا أريد من خطاي أن تترك أثراً

فالأثر لمن يعرف الوجهة.


وبالنيابة

عن السكارى

المجانين

اليقظيّن جداً

عن المفجوعين والثكالى

أفشل مجدداً بالكتابة

لأن باطن يدي

مازال يذكر احتدام الضلع المكسور.