08‏/11‏/2022

الجزء الفارغ من الكأس

 



إلى زهراء عقيل

( ذاكرتني لم تَخُنّي يوماً)

لحم ظفرٍ وورقة

أو جلدٌ ومحبرة

هذا كل ما أحتاجه

حين يرمي المساء نفسه

برتابة على نوافذ المدينة

حين تصمت الأشياء كلها من حولي

حيث لا قلم يخربش

لا سكين تخرق

لا باب يصر

ولا مرآة تخبرني برثاثة ثوبي


لحم ظفرٍ وورقة

أو جلدٌ ومحبرة

هذا كل ما أحتاجه

حين تهزأ العاصفة بي

وتعطيني أكثر مما تأخذ مني

كخنجرٍ ينبت بين فقرات الظهر

وظهرٍ محدودب

يذهب ويجيء

كلما تحرك الباب


اسمعيني!

لحم ظفرٍ وورقة

أو جلدٌ ومحبرة

هذا كل ما أحتاجه

حين يختفي دوي المولدات

وتضمحل من منازلنا الإنارات

حين يجف سرب النهر

وتغرق من البلل الحروف بفمي


صوتكِ

اسمكِ

هيئتكِ

هذا كل ما أحتاجه!


اسمعيني

فأنا أيضاً لا أذكر

كيف ضيعتكِ

بين كل الآفات المفترض شفائي منها

لكني بالطبع

أذكركِ..

فقد ذرفتنا الدموع أغلب الوقت

وخافتنا النبضات المتسارعة

سالت من ركابنا وأكواعنا رائحة الزنجار

ولا ضمادة بطنت ما أردنا إخفاءه عن العالم

أذكر جيداً

أن ممرات الشارع قذفتنا بعيداً

كمن يقذف جمرة حرقت باطن يده

منذ البداية

وأرواحنا أخبث من الوقت

مللنا أحاديثهم ودروسهم

لأننا سبقنا عصرنا بأيامٍ قليلة


لم يلمع في عيوننا غير اليأس

وقضينا معظم الوقت بصدق

حزنٌ ومللٌ وكآبة

لكننا لم نجرؤ على تمنِ الموت

كنا نغني كثيراً

ونبكي أكثر

لأننا لم نعرف الكثير

والمبهم كان قاتلنا

فقد كنا نظن أن الرجال لا يأتون

إلا ليرحلوا سريعاً

على هيئة قصيدة


كان لدي شكل

استعرتهُ منكِ

كانوا ينادوني بأسم

أنتِ أطلقتِه علي ..


لحم ظفرٍ وورقة ..إلى آخره

تعلمين ما أحتاجه الآن

فأنا أحترق فوق الإنارة الوحيدة للمنزل

والذبابة التي تحوم

لم تعد تزعجني.


كل الأمور مربكة

ويدي لا تستطيع تقديم الشاي بثبات

لكن ..

أنتِ وعائلتكِ

أنتِ والمارة

كلكم تطوفون حول المنزل كحجاج

وتنتظرون تحيتي

لكن لا يد لي

لأطرق الباب!


عزيزتي 

ليس هنالك ما يكفي من الدم

في عروقي

لأحبكِ فيه

ليس عندي ما يكفي من الإسمنت

لأبني جسراً

أعبر فيه الفراغ الذي خلفتِه

ليس هنالك ما يكفي من العتبات

تُعيرَني خطوات

أمشيها لأصل إليكِ

وليس هنالك ما يكفي من الكلمات

لأصف لكِ بها موتي

إنني أنزف روحي طوال الوقت

نحو السماء

لهذا هلّا علمتِّني

كيف أصف لكِ ضياعي

بثمانية وعشرين حرفاً؟

فما أمضي بهِ الآن ليس درباً

بل خرقاً ..


عزيزتي ..

منذ ذلك الوقت

وأنا لستُ بغرضٍ كافِ

فحتى عندما أكون في كأس

أكون الجزء الفارغ منه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق