٢٠٢١/٣ ، ٩:٣٠ ص.
إلتقينا في المكان المتفق عليه، صافحتك ورسونا في مقاعدنا. عجبت من نظراتك الشاردة طوال الجلسة وعندما أردت اجتذاب انتباهك بتلويحةً جل ما تفوهت به هو:
- جنسٌ حزين.
وبعيداً عن متاهات العيون، عندما نبست بذلك القليل رأيتُ في ثغرك شيئاً .. بل أشياء كثيرة. رحت أحدق فيك طويلاً وابتسمت، لأنه من حسن الحظ وجدتُ فيك حياً كبيراً يحتضن شارعٌ واسع. بدا أن الجو في منتصف الليل، أبواب البيوت كلها مرصدة ورأيت ضياءً تحبسه بعض النوافذ وفكرت في أنها حجر طلاب العلم او عشاق لم ينتهِ يومهم بعد. كانت أغلب السيارات مرصوفة بجانب الطريق والشارع ساكن لا نملة تقطعه ولا ريح تسري فيه، شدتْ عينيّ سيارةً واحدة، حمراء، سكنت في منتصف الطريق تماماً، هكذا بلا حركة حاولتُ بإمعان التحديق فيها أكثر لو لا محل البقالة المفتوح، أخيراً أحدهم مستيقظ .. عجبت بتلك الفواكه المصفوفة والمرتبة على بعضها البعض والبرتقال أكد بأنه ناصع من إنعكاس أضواء الحي على سطوحه.
بلا إدراك وجدتُ نفسي أقضم تفاحةً صفراء. إلتفتُ يميناً ويساراً، حدقت لأعلى وأسفل، لا أثر لأي بقال أدفع له ثمن التفاحة، لهذا قررت ببساطة أن أضع النقود في مكان التفاحة. لم تصدق عيني ما حصل، ففور ترك أطراف اصابعي للدرهم راح يطفو، بسكون وبلا حركة، فرقه الوحيد عن كل شيء في هذا الحي أن موضعه في الهواء. لحظة، إن كان كل شيء ساكناً، هل حقاً يوجد هواء هنا ! تماماً في تلك الثانية وجدتُ الأوكسجين ينفد من مسالكي، أنفي، فرئتي وأخيراً دمي!
وإستغلالاً لآخر ما تبقى فيَّ من حياة ظلّت عيناي تجول في كل نبسٍ من الحي. لا طلاب يرمون إنهاكهم من فوق النوافذ، لا عشاق يتشارجون نهاية الليل، ومقعد سيارة منتصف الطريق فارغ! بل وحتى البقال ترك ابواب محله مشرعة الأهم من ذلك؛ أنت.. لم أجدك في ثغرك..
وقبل أن يلفظني الموت الذي لطالما إنتظرته وجدتُك أمامي، على نفس الطاولة، قابعاً بنفس المقعد وتحت سقف نفس المقهى وقهوة كِلانا قد أصبحت باردة. تنفست الصعداء وأكملت معك في شرودك فقد علمت تواً كيف يمكن للمرء أن يكون ثقيلاً للغاية وبنفس الوقت، فارغ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق