30‏/08‏/2023

رسالة من مسخ في عالمٍ آخر.


يُهَيء لي

مسخاً في عالمٍ آخر

أكثر صلابةً مني

بنهمٍ وهمجية، يكتب.


يُهَيء لي 

أن الكون ثقباً أسوداً بدأ من صرتي

وفي الواقع

الكون ثقبٌ أسود بدأ من بيتٍ صغير

لا يكفي في ذاتِ الوقت

نشر الغسيل وحبال المشنقة

بدأ ..

وبرصاً سميناً على جدارٍ ساخن يُحدِق بأثدائي

وجدٌ بِلا إرث يدون نفسه قبل أن ينساه أولاده

بدأ من جدتي

عندما كان أقصى همومها تقطيع أجزاء الدجاج للغداء

ثم تجد نفسها تُقلب أجزاء الضحايا في المشرحة

بدأ الكون والجميع إما مفجوع أو مشغول

لهذا كان علينا تعلم الصلاة والأبجدية لوحدنا

عرفنا معنى الكلمة قبل أوانها

مثلاً عرفنا معنى الأطرش

كثرما نادينا الآباء ولم نجد أذاناً صاغية،

عرفنا معنى الإنحياز

عندما أدركنا أننا لسنا المفضلون

لسنا الخيار الأول في أي شيء،

حين كان يهمس الجميع

ونحن نصرخ ليصل صوتنا.

يُهَيء لي أن الحياة طابور

ونحن في آخر السرب

نتوسل العشاق ألا يغادرونا

فلا بُد أن ننتظر الجميع

ونكون آخر من يتزوج

آخر من يَلِد

آخر من يبني بيتناً،

هكذا أبي ذا السبع صنائع

ضاع بخته فينا.

يُهَيء لي

أن هذا كل ما ورثناه،

جدار البيت ما زال يحمل أثر الصفعة

وسِكرُ جدي كان كافياً

بأن تفوح من أفواهنا رائحة الكحول

بأن يصير جلدنا أصفر.


إنه مسخ في عالمٍ آخر،

يكتب..


الشمس تسطع يا عزيزي

وأنا لا أكتب

يهجرني العشيق

أُشيع نعش الأحبة

ولا أكتب

أرفع لساني أمام المرآة

ولا أجد حبراً

أُحدق بأصابعي

ولا عِرقاً يجيء القلم بالكلمات

لا شموع في حجرتي ولا ورق

تؤمنني الظلمة بضيق ما أملك

وأخاف ثقباً في الجدار

يُسرب نوراً

ويكشف هوّل الفراغ

يكشف وحدتي

وكيف أني لم أُحدِّث أحداً منذ ولادتي،

يكشف أنني أعيش في باطن صخرة.

أخاف البرد يا عزيزي

وهذه البلادة

ترميني في أحد القطبين

لهذا أحبّني

حتى لو كان حبّك يفلت من يدي كالزئبق.

ها هو قلبي قد فصدته

وألطخ دماءه بجباه المرضى

الضحايا

والموتى

تعبيراً عن انتصاراتي

فؤادي الثقيل فرغته

لهذا عبءْ قلبي

أحشائي خندقاً

تكفي كومة من الأحزان

لن تجد في معدتي كلمات مبلوعة

ورأسي

لا تقلق

هذه ليست ذكريات

إنها عقارب

تتسلق بمخالبها باطن جمجمتي

ها هو رأسي يكفي لسجن اسوأ أفكارك،

لا تطبق شفاهك

فمي الفارغ

كصحراء قاحلة يابِس

كسماء تبتلع الدعوات، لا يُجيب

وأُذناي لن تحتمل صمتين معاً.


إنه مسخ في عالمٍ آخر

يكتب ما تقرأ


يجيء الليل يا عزيزي

يحط على عتبتي القمر

وأنا لا أكتب

‏أقصى معجزة قد أطلبها من الربّ

هي أن تنفلق الورقة

ونبعٍ من الأجوبة يُغرق طاولتي

لهذا أحبّني

حتى لو كان حبّك يفلت من يدي كالزئبق،

طمئنْ من مشى بطفولته على أرضٍ عوجاء

أن السقوف لن تنهال عليهِ متساقطة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق